ثرثرة فوق السطوح
على سطح منزلهما كانا
جالسين، وكانت شمس الصباح التي بانت لتوها تحييهما بأشعة ذهبية محملة بدفء خريفي قل
نظيره. كان الجو هادئاً، ولم تكن هنالك رياح تعبثُ بأغراضهما المتناثرة فوق السطوح.
سحبت نفساً عميقاً وقالت لزوجها كما لو أنها تذكر شيئاً للتو:
- ما الذي جذبك إلي
حتى تأتي أهلي طالباً القرب؟
أجابها بابتسامة ولم
ينبس ببنت شفة.
همهمت:
- هل تتملص عن الإجابة؟
أتخجل حتى وأنت في خريف العمر؟ هيا تشجع. أغمض عينيك وبُح بخلجات فؤادك. هيا إني
متشوقة لمعرفة هذا السر الدفين الذي ما مرة أردت سؤالك عنه .
قال لها والسرور يعلو
محياه:
- لم يكن في القرية
بنتٌ تناسب الزواج سواك.
جال في خاطره: "سأتلاعب
بأعصابها قليلا قبل البوح"
تابع كلامه بعد شيء
من الصمت:
- بكل صراحة خفت أن
يزيد عدد العوانس في بلدتي، وقلت في قرارات نفسي: سأنقذ بنتَ فلان عسى أن يكون لي
أجر في ذلك. وهذا ما حصل أيتها العجوز
.
نهرته وقالت:
- أنظر
إذن من يصب عليك الماء لتغسل درنك، فالعجوز لاتقدر على خدمتك. لقد كنتُ في بيت
والدي أميرةً حتى أتيتني كالقضاء المستعجل. سرقْتني من بيت أبي في عز طفولتي. كان
وقتها عمري لا يتجاوز السادسة عشرة، وأنت الآن تتحدث عن العنوسة. لك أن تقول ما
قلت لأنني تواضعت، وقبلتك زوجا أيها العجوز الخرف. أتنكر أنك تكبرني بعشر سنين، قل هيا أجب؟
- نعم
مولاتي لك الحق في ما قلته، ولهذا اخترتك زوجة. من كبرياء وأنافة بيت أهلك اتخذت
عنوانا، أما الجمال فلم ترى عيني ولن ترى مثل جمالك قط. حقاً، لقد سرقتك من بيت أهلك
ثريا لتضيء لي حياتي. يوم قرعتُ باب أهلك طالباً القرب، خفتُ أن يحول فارق السن بيني
وبينك، فأصير أتعس الخلائق .
ردت عليه:
-
أتستهزئ
بي بنبرة تخفي خلفها فرحاً وسرور.
أجابها:
- ما عاد الله، ما
قلتهُ نابعٌ من قلبي الذي سكنته منذ رأتك عيني
.ألازلت تتذكرين عندما كنت تملئين الجرة
عند العين، وأنا أحملق فيك دون أن آبه بما يجول حولي حتى سقطت في الترعة. أجابته
وقد احمرت وجنتاها حتى صارتا مثل شقائق النعمان:
- وهل أيام الصبى تُنسى؟ أستغفر الله. اسمح لي
غلظتي هاته يا تاج رأسي وقرة عيني، فأنت تعلم أني هوجاء لا تحركني إلا عواطفي.
رد
عليها:
- بل
أنا من يجب عليه الإعتذار. هاتي رأسك أقبلها.
- ما عاد الله.
ترد عليه وتنحني على
رأسه لتقبله .تلتقط
الإناء بعد حين بيدها لتصب على زوجها الماء ليغسل شعر رأسه. قال لها:
- إني
أشهد الله إنى أرضى عليك دنيا وآخرة
.
عثمان الماحي في: 26\10\2016
0 التعليقات: