قصة بعنوان: صبرين

نوفمبر 16, 2018 Unknown 0 تعليقات







 صبرين














أتذكر أنه كان يوم الأحد، وكانت الساعة تشير إلى الثانية بعد الزوال (العتمانية). لم أكن حينها لأفزع أو أجزع من هول الخبر الذي سقط على رأس ابراهيم في اللحظة التي كنا نراجع فيها مادة قانون التأمين، فألقي مغماً عليه عند سماع الخبر. فالأمر يتعلق بأخته صابرين التي كانت في العقد الأول من عمرها، صابرين كانت على مخطوبة لشاب اسمه أحمد، وهو يكبرها بأربع سنوات، وكان يدرس بأحد ثانويات المدينة. وهو من أبناء بلدة الدويرة الأخيار الذين يُشهد لهم بأخلاقهم وطيب تعاملهم. سقوط ابراهيم جعلني أغرق في غياهب أسئلة كثيرة على رأسها "ماذا سأفعل ليستيقظ؟ وكيف سنحل المشكل؟" أعلم أن صبرين شابة مهذبة وذات أخلاق حسنة، إلا أنها انفعالية ولا تحسن التصرف في بعض الأحيان، شعرت لحظتها باختناق شديد وضيق يجتاحني، بدأت بلطم ابراهيم على خدوده ومناداته لكي يستيقظ.

_ابراهيم استيقظ استيقظ ستحل المشكلة باذن الله.

بدأت مقلتاه بالانشراح. تبسمت في وجهه وقلت:

-      يا ودي يا الراجل لي معولين عليه نتا الي غادي تواجه المشاكل ديال الحياة هذا راه غير جزئ منها.

احمر أنفه وبدأت مقلتاه بالبريق إلى أن تغرغرت بالدموع، وقال بصوت متقطع:

- مرمدات وجهنا فالتراب ولطخت شرف العائلة.

 تأثرت بنبرات صوت ابراهيم حتى كادت عيوني تفيض دمعا. كانت كلماته كفيلة لأن تجعلني مشوش التفكير وغير قادر على التصرف. ارتميت على صدره وعانقته. ربت على ظهره بلطف وقلت:

- ابراهيم، هيا لا تجعل المشكل يؤثر فيك ودعك من كلام الناس.

 جذبته من يده للنهوض:

- هيا كن راجل.

 ذهبنا بخطى متسارعة إلى أن وصلنا إلى منزلهم. كان المنزل مغلقا. طرقنا الباب ففتحت ام ابراهيم. استقبلتنا بفرح وسرور كالمعتاد حتى دهشنا من هول المنظر "هل هي لا تعرف شيئا؟ أم أن الأمر مجرد إشاعة". سأل ابراهيم أمه عن صابرين:

-      مَا فين صابرين واش مزال مدخلات؟

 ابتسمت الأم ابتسامة عريضة، وقالت:

-              لقد تلقيت اتصالا الان من مخفر الشرطة بشأنها.

 قاطعها ابراهيم:

-    من مخفر الشرطة وكاتضحكي أمي.

استأنفت الحديث:

-    كانت مع يوسف حدا البراج فوقفت عليهم دورية أمن وأخذتهم.
 قاطعها ابراهيم في غضب:

-      مع يوسف وتضحكين يا امي اتعرفين معنى ذالك هل نسيتي انها مخطوبة لاحمد.

 كنت اترقب حديثهم الثنائي ولم أكن لانبس ببنت شفة الا ان مقاطعة ابراهيم لحديث امه المتكررة جعلني اتدخل في حديثهم الثنائي. فقلت من بعد صمت زينته انغام ذلك الحديث المكهرب والمشحون بالكثير من الحيرة والغموض:

-    ابراهيم اسكت ودع امك تكمل حديثها لنعرف اولا من هو يوسف ايعقل انك تدرس في الجامعة ولاتحسن اداب الحوار. تفضلي يا خالتي اكملي حديثك.

استأنفت:

- يا بني يوسف خوك الذي لم تره قبل سنتين على ولادتك اختطف من طرف عصابة لاسباب مجهولة ورماوه في مدينة الداخلة كيف قال لينا ومقدرش يرجع الى اليوم.

 تساءل ابراهيم مندهشاً:

-     يوسف الذي كان يخبرنا أبي عنه، ويحكي لنا عن شجاعات ونضالاته؟ - نعم يا بني يوسف. رجع وقد وجدته الشرطة مع صابرين وظننته الشرطة زميلا لها وأخذتهم.
-    اه يا امي لماذا لم أعمل بقوله تعالى: < يا أيها الذين امنوا إن جاؤكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحو على ما فعلتم نادمين > أردف بعد شيء من الصمت:

-      تلقيت اتصالاهاتفيا من رقم مجهول اخبرني ان اختي تجول الشوارع ذهابا وايابا مع شخص مجهول، فاعتقدتها تخون أحمد، ففزعت وكدت أعتنق المنية من سوء الظن وهول الخبر.

بدأت أم أحمد تدعو على المتصل بكل مصائب الدنيا.

- الله اقطع حسو من الدنيا...

 قاطعتها مبتسما:

- يا خالتي لو أن الدعوات تصيب أحدا لانقرضت فصيلة الذئاب من شتائم الرعاة.

- إن الله يمهل ولا يهمل يا بني.

- ونعم بالله ولكن خليه لمولاه هو قاد بيه.

طرق الباب لحظتها، ففتح ابراهيم. كان الطارق يوسف وصبرين. تعانقا بحرارة وبدأت أعينهم تفيض دمعا من الفرح. دخلوا البيت. التفتت إلى يوسف فتشتت كلماتي وتبعثرت حروفي وكأن لساني لم يعد في مكانه، وانتشرت الفوضى بجسدي بطعم أول نظرة.

كان يوسف ينظر إلي هو الاخر بغرابة واندهاش.

بدأت أتمتم بحروف متقطعة:

 "ان ه ه و، نعم انه هو.

 كسر يوسف حاجز الصمت الذي لف المكان والدهشة البادية على محياي بقوله:

- عبد الحليم أأنت هذا.

قبل أن أجيبه، تذكرت حديث أمه عن الداخلة وأجبت:

   -    نعم يا يوسف انا عبد الحليم.

      تعانقنا بلهفة وكأنني لم أره أنا أيضا ثلاثة وعشرون سنة مثل عائلته. اندهشت الأم وصبرين. اندهش ابراهيم أيضا وسأل بتعجب:
       
         -      اتعرفان بعضكما.
     أجاب يوسف: نعم. وقاطعته:

        -      سأجيب يا يوسف عن سؤال ابراهيم نعم عرفت يوسف في الصيف الفارط عندما كنت أعمل بأحد الضيعات الفلاحية قرب مدينة الداخلة والتي كان يشتغل بها يوسف كسائق للجرار، إلا أنه لم يخبرني على حياته فقط، اكتفى بالحديث عن عمله ولم ندخل في التفاصيل:
          
         -       مرحبا بك يا يوسف في بلدك ومع عائلتك.

 واشحت بوجهي نحو التلفاز الذي كان ينقل خبر (اتفاق سكان بلد الدويرة  واقصائهم للعنصرية وحلهم لمعضلة أراضي الجموع بالاتفاق، وأكد الخبر نفسه أنهم عزموا على قسمتها بينهم في جو من الانسجام والتوافق الذي لم يكن في الحسبان وكأنها وقعت معجزة أو أن أحدهم حرك عصاه السحرية للتوفيق بينهم..) محاولا بذلك تشتيت هذا الجو الغريب الذي حل بيننا. فقال أحمد مخاطباً صبرين:

- ها ربي فرج عليك.

 ردت أم ابراهيم:

- انسيت قوله تعالى: "يا ايها الذين امنوا ان جاؤكم فاسق بنبإ..." فتبسم ابراهيم  ومن حوله، أما أنا، فكنت أعرف جيداً معنى هذا الخبر لكن لا أريد تصديق الأمر فقط....



0 التعليقات: