منطقة الرَّتب: حضارة وتراث وتاريخ ضارب في القدم

سبتمبر 24, 2017 Unknown 0 تعليقات




من عجيب الأخبار أن بعض المناطق التي يعتقد الناس بأنها حديثة التأسيس وعهد استقرار الانسان بها لا يتجاوز المئة عام لها تاريخ ضارب في القدم وحضارة عريقة تمتد إلى قرون طويلة من الزمن، كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة الرّتب، إحدى الدوائر التابعة لإقليم الرشيدية.

ولعل أبرز ما يؤكد ذلك هو ما ذكره الرحالة الشهير والمؤرخ الكبير حسن الوزان في كتابه الغني عن التعريف والموسوم بوصف افريقيا Description de l’Afrique ، حيث قال إن دائرة الرتب هي "دائرة تتاخم مدغرة وتمتد على طول زيز شطر الجنوب على مسافة نحو خمسين ميلا إلى إقليم سجلماسة وبها عدد لا يحصى من القصور وبساتين النخيل...."

هذه القولة التي وقعت عليها عن طريق الصدفة بينما كنت أقلب صفحات الكتاب الشهير جعلتني أقف مدهوشا للحظات أمام ما قرأت، لأنني كنت فيما مضى منساقا وراء ما يردده كبراء المنطقة وشيوخها حول حداثة عهد الانسان بالرتب، وهي المنطقة التي تضم حاليا جماعتي أوفوس والرتب.

عندما عدت إلى تاريخ هذا الرحالة كانت الدهشة أكبر، إذ وجدت بأنه زار المنطقة خلال القرن الخامس عشر ميلادي، وتخصيصه لحيز من الكتاب للحديث على هذه المنطقة بالذات هو بلا شك وفي غير ارتياب دليل قاطع على أن الرّتب كان يعرف في تلك الفترة ازدهارا كبيرا وأوجا حضاريا لابأس به.

هذا الاكتشاف الذي وقعت عليه دفعني إلى تعميق البحث في أمهات كتب التاريخ لعلي أجد شيئا أملأ به الفجوات البيضاء وأثمن به بعض الروايات الشفوية التي تتناقلها الساكنة، لكن وللأسف لم أجد شيئا يسد الرمق اللهم نتفات من هنا وهناك لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تعين على استكمال الدراسة.

إن البحث في تاريخ تأسيس المنطقة لن يكون متأتيا إلا بوجود مادة مصدرية موثوقة، أما الاعتماد على الروايات الشفهية لوحدها فإنها تجعل من البحث ناقصا وغير مكتمل. ولأن للدراسة الأثرية إمكانية في فك غموض هذا الموضوع، قمت بجولة صغيرة وسط القصور الطينية القديمة التي لازالت صامدة أمام مد الزمن، والحق أني وجدت فيها من المعالم الأثرية ما يبين بالواضح والملموس قدم المنطقة وأصالتها. زخارف عريقة وأقواس بديعة وأبراج شامخة. تميز في العمران وطرق خاصة في البناء. باختصار إنها ربوع تغري بنبش التاريخ وسبر أغوار الماضي من أجل الوقوف على عراقة التاريخ وتجذر الحضارة.

لا أحد ينكر أن الاهتمام بالتاريخ في مجتمعنا المغربي يمر بأزمة منذ فترة ليست بالقصيرة، وهذه الأزمة هي انعكاس لأزمة الثقافة برمتها، إذ لم يعد يرى المغاربة في التاريخ سوى ضربا من ضروب التباكي على الحيطان الخربة والوقوف على الأطلال المنسية. والحق أن في التاريخ قصصا وعبر تعين المرء على استنهاض همته وربط الماضي بالحاضر.


0 التعليقات: